بعض العرب يتركون دينهم لأن شعوباً أخرى تركت أديانها أو شاع عنها أنها تركت أديانها . ويقع ذلك دون تساؤل عن الأديان التى تُرِكَتْ: لِمَ تركت ؟ وما الذي زهَّد أصحابها فيها وصرفهم عنها ؟ نعم ويقع ذلك مع تغافلٍ عما أسداه الإسلام للعرب قديماً عندما كانوا قبائل لا ثقافة لهاولا حضارة ثم أضحوا بالإسلام وحده أمة خفَّاقة الرايات في المشارق والمغارب، ممدودةَ السلطان في البر والبحر .. وتحت عنوان العلمانية أُهْمِلَ كتابٌ لا ريبَ فيه وتُنُوسِيَت سُنَّةٌ مُضِيئةَ النهج وقُدِّمَتْ بين يدى الله ورسوله أوهامٌ وأهواءٌ غاض منها الجد والشرف ولم نَجْنِ منها إلا الصَّابَ والعلقم .. إنني أعرف أن العلمانية انتشرت في أمم شتى وعلى أنقاض أديان بعضها وثني والآخر سماوي .. ومع ذلك فإن هذه الأديان بقيت وبقي الانتماء إليها والتعصب لها .. وتفسير ما حدث سهل؛ فقد استغنى القوم عن الأجزاء المعطوبة والمكذوبة من مواريثهم واستحدثوا “قطع غيار” جديدة تَحُلُّ محلَّها، وصالحوا بهذا الترقيع بين ماضيهم وحاضرهم ... إن العلمانية في كثير من الأقطار غطاء دقيق للعقائد الأولى مع بعض التغيير والتحوير .. على حين طولب المسلمون باستدبار قرآنهم ونبوتهم واستُجْلِبت العلمانية ليتم تحت شعارها تغيير الفقه والتشريع وتغيير الأدب والتربية وتغيير العلاقة بالله ومنع الاستمداد من وحيه المطلوب، ارتدادٌ يتمّ بطريق التدرج أو الطفرةحسب الظروف والأحوال .. إن سيل الخسائر لا ينقطع من وراء هذا الفسوق، والهزائم المادية والأدبية تترى .. وإذا كان غيرنا معذوراً في نبذ مواريث له ناقضت العقل وخاصمت العلم وأشقت الجماهير، فما عذر الذين يطلبون منا أن ننسى ديناً قام على العقل والعلم وجعل شرع الله حيث تتحقق مصالح الجماهير ؟!. محمد الغزالي .. من كتاب (الحق المر الجزء الأول)