ثبات سعيد أمام الحجاج بأجوبة رائعة مع قول كلمة الحق: -------------------------------------------------------------------- كان سعيد بن جبير من كبار التابعين .. أخذ العلم عن كبار الصحابة ولازم عبد الله بن عباس رضي الله عنه. التحق التابعي الجليل سعيد بن جبير بثورة عبد الرحمن بن الأشعث عندما خرج على الحجَّاج، إلا أن الغلبة كانت للحجاج، فأخذ الحجاج يقتل كل من خرج مع عبد الرحمن. فتخفَّى سعيد بن جبير عن الحجاج في قرية من قرى مكة لمدة عشر سنين كاملة. ثم حدث أن تولى على مكة خالد بن عبد الله القَسْري، وكان معروفاً بظلمه .. فتخوَّف أصحاب سعيد من خالد .. فطلبوا من سعيد بن جبير أن ينتقل إلى مكان آخر .. فقال: والله لقد فررت حتى صِرتُ أستحي من الله .. ولقد عزمت على أن أبقى في مكاني هذا وليفعل الله بي ما شاء .. فلما علم خالد بن عبد الله القسري بمكان سعيد أرسل سرية من جنده وقبضوا عليه وساقوه للحجَّاج .. فلما صار عنده نظر إليه الحجاج بحقد وقال: ما اسمك؟ فقال: سعيدُ بنُ جُبَيْر فقال: بل شَقيُّ بنُ كُسَيْر فقال: بل كانت أمي أعلم باسمي منك فقال: ما تقول في محمد؟ (صلى الله عليه وسلم) قال: سيد ولد آدم خير من بقي من البشر وخير من مضى حمل الرسالة وأدى الأمانة. ثم أخذ الحجاج يسأله عن الصحابة واحداً واحداً .. وسعيد يجيب، ثم سأله فقال: فأيُّ خلفاء بني أمية أَعجب لك؟ قال سعيد: أرضاهم لخالقهم قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم قال: فما تقول فيَّ؟ قال: أنت أعلم بنفسك قال: بل أريد علمَك أنت قال: إذن يسوؤك ولا يسُرُّك قال: لا بد من أن أسمع منك قال: إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله تعالى تُقدِم على أمورٍ تريد بها الهيبة وهي تُقْحِمُك في الهلكة وتدفعك إلى النار دفعاً . قال: أما والله لأقتلنّك. قال: إذن تُفْسِد عليَّ دنياي وأُفْسِد عليك آخرتَك . قال: اختر لنفسك أيَّ قتلة شئت؟ قال: بل اخترها أنت لنفسك يا حجاج ... فوالله ما تقتلني قَتْلة إلا قتلك الله بمثلها في الآخرة قال: أفتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان من عفو فمن الله ... أما أنت فلا براءة لك ولا عُذْر (يعني: أنت لا تسطيع أن تعفو) فاغتاظ الحجاج وقال: السيفَ والنطعَ يا غلام (النطع: بساط من جلد يوضع تحت المحكوم عليه بالقتل) فتبسم سعيد .. فقال له الحجاج: وما تبَسُّمك؟! قال: عجبت من جراءتك على الله وحلم الله عليك فقال: اقتله يا غلام فاستقبل القبلة وقال: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) فقال: (فأينما تولوا فثم وجه الله) فقال: كبوه على الأرض فقال: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) فقال: اذبحوا عدو الله فما رأيت أحداً أدعى منه لآيات القرآن فرفع سعيد كفيه وقال: اللهم لا تسلِّط الحجاج على أحد بعدي .. لم يمض على مصرع سعيد غير 15 يوماً حتى أصابت الحجاج الحمى واشتد عليه المرض فكان يغفو ويفيق فإذا غفا استيقظ مذعوراً وهو يصيح هذا سعيد بن جبير آخذ بخناقي، هذا سعيد بن جبير يقول فيم قتلتني ثم يبكي ويقول: مالي ولسعيد بن جبير، ردوا عني سعيد بن جبير واستجاب الله دعوة سعيد فلم يسلط اللهُ الحجاجَ على أحد بعده هذه عاقبة الظالمين، فليعتبر كل ظالم من كتاب (صور من حياة التابعين): عبد الرحمن رأفت باشا